السبت، 20 نوفمبر 2010

الأدراج السرية لمريم التونسية


لم تتخيل أنها ستمضي كامل أمسية السبت إزاء الكمبيوتر تطرق بحماس أزرار الحروف لتخط  أول التفاهات في مدونتها "الشخصية"
، توقفت طويلا أمام كلمة "تفاهات" لكنها تراجعت عن تعديلها .
بيد أن ما بدأته بهزل و سخرية من ذاتها المنكمشة و من لغتها العربية التي تراجع مستواها بحكم انقطاعها عن الكتابة و المطالعة بدأ يتحول إلى شغف و رغبة دفينة في فتح أدراجها السرية على الملأ.
حاولت إستبدال أسلوبها في الحديث عن نفسها بضمير الغائبة "هي" لكنها وجدت في هذه المواربة القليل من العزاء أمام فداحة ما تقترفه من خيانة للأدراج المغلقة باحكام في أغوارها المظلمة.
هل تتفهمون ما تود قوله؟؟؟
إنها خجلة بعض الشيء، خائفة بل مرتعبة - كدأبها - من تعرية ما درجت على اخفائه منذ سنوات: خوفها المتأصل و حزنها السري.
أن تستبدل بغموضها وضوحا جليا و بوحدتها مشاركة...ذاك ما يخيفها حد الموت.
لو فشلتم في فهم ما تريد تفسيره ، فأرجعوا البصر نحو عنوان مدونتها، إنها مجرد تفاهات.
تأكدوا أنها لن تخفي شيئا عنكم البتة، لأن من عاداتها المربكة التطرف في كل ما تفعل.

و لتتسع صدوركم لفيض خاطرها و لا بأس من تشجيعها ببعض الكلمات فهي لن تبخل عنكم بساعات طويلة تقتطعها من يومها الرتيب.
ملاحظة :قد لا تفهمون ما تعنيه.

من أوراق مريم التونسية في رثاء رجل الصباحات الندية:
حمّـــــــى التســــــــــــــــــــــــــــــــاؤلات
يصعب عليّ التصديق أنّ هذه الحياة بهاته القسوة...
كلما وئدت مشاعري المتنامية نحوك تحت أقنعة اللامبالاة واللاإكتراث تصاعدت أنفاس خافتة ترفض الإنقبار هامسة أنّ كلّ محاولاتي  فاشلة، مستحيلة.
عقيمة كانت محاولاتي  وكسحاب خلّب تمّر كلُّ فكرة تؤيد محوك من خارطتي فإزالتك منّي صعبة عسيرة بعسر إزالتي منك.
للكلمات من شفتيك وقع آخر،  معان أخرى تعبر أذني، خلايا دماغي كإكسير، كأفيون، كمخدر لعين يصعب الإقلاع عنه...
لم كلما قلت شفيت منك يعاودني دوار رؤيتك، تلعثم محادثتك، ارتجاف قلبي،اضطراب  بصري ،ارتفاع حرارتي إلى ألف  درجة ؟                                     
هل اقدر على إزالتك مني؟
عام و نيف  أمني النفس بنسيانك ولا أنسى أنا المنيعة، المراوغة ،التي فشلت كلﱡ محاولات استميالي لازلت احبك كخرقاء، كحمقاء،كغبية...
متى أنساك؟
يحدث أحيانا أن يصبح التفكير فيك هاجسا مخيفا، ينتابني كألم ضرس في منتصف الليل...تخوض الأفكار،  تتداخل، تتشابك، ترفض الخمود قليلا و ترك فرصة لدماغ متعب يريد أن يرتاح...
ما معنى  سكتة دماغية؟
 أن يرفض ذهني أي فكرة سوى رؤيتك،أن أعجز عن  مبارحة اليقظة ،أن تصبح صورتك المجال الوحيد للبصر والمساحة المتاحة للحلم : سكتتي الدماغية الأخطر.
  يحدث أن تتضارب مشاعري  تجاهك لدرجة العجز عن تحديد موقعك في عالمي المعقد، المختل وأن تصبح غير قابل لأيﱢ وصف،غني عن أي تعريف قريب جدا، قريب لدرجة الإلمام بكلﱢ تفاصيل وجهك لدرجة الاستحضار في غمضة عين ولكن بعيد ،ناء ﭐلاف الأميال في ذات الغمضة.
يحدث  أن يعتصر القلب حزنا  لمجرد التفكير في أن العين قد تعدم يوما رؤيتك ،أن تصبح أيﱡ رغبة في مخاطبتك و اثمال بصري بملاحقة ذاك البريق البريء،الشيطاني،الطّفولي الرائع في  عينيك  مجرد فكرة مستحيلة.
هل أصبح قدري أن أهب حبي لقلوب لا تتسع له؟
إذا كان هناك سبيل للنجاة من هذا القدر المربك، كن فرصتي لآخر لحظة.
لم كلما تعدو بي خيول ذاكرتي بعيدا أجدني لا ابلغ أقصى من عينيك مدى تغمراني في بحيرة التيه الأبدي فيك، و تصهل في كبر وحدتي، تحمحم في أسى عاجزة عن كسر قيدها، و يعذبني جموح حواسي إليك؟؟؟                           
  واليوم بعيدا عن مساحات للذكرى المغمورة فينا التقينا في دروب حاكتها الصدفة و غفلت عنها أعين الزمان...
لو كنت أعلم أنﱠ للصدفة ألف دور في لقيانا ما كنت جبت دروبا لنا قطعناها في أزقة منسية، ما كنت سألت في رجاء كلﱠ غصن عانق نصل مديتك ليحمل أسمائنا خربشاتا أبدية، ما كنت لأصرخ في  وجه  أمواج شهدت ذات يوم جنوننا المشترك، ما كنت انتشلت ملامحك من وجوه الرجال والأبطال...
كنت لأشعل مئات الشموع في محراب الصدفة و كنت علقت تعاويذها الخفية في كلﱢ الزوايا وخشعت لأصلي في ابتهال للصدفة...
أيها الرجل  الموسوم بكلﱢ معاني الاستحالة و التمني، المقرون بالرغبة والصدﱢ، المتبوع  بكلﱢ حروف و أسماء الردع والزجر والمنع والرفض،الناشد  للتحقق والذوبان في شخصي،المأخوذ بأسمائه :الفياض،المناع، وحيد زمانه ،المضيء بذاته ولذاته،المستوفي  لكلﱢ  زلاته،المرصود  بآلاف التعاويذ ،الواقف على بوابة القلب ،حارس الروح،المبعد عن قصد ،المقرب عن عمد،استحالة المنال ،غاية الذﱢي لا غاية له ،أحجيتي  المستعصية عن كلﱢ الحلول .
لم اليوم و قد إلتقيتك تفرّ منّي؟
لم خلّفتني ورائك علامة استفهام كبيرة، تحطّمت في سكون إلى آلاف الشظايا وتحوﱠلت فجأة إلى علامات استفهام سوداء لا تنفكّ عن التناسل حتى وارتك خلفها ولم أعد أرى أمامي سوى السواد ؟ 
 لم كلما قدر لقاؤنا تبتعد لتخلفني وحيدة في الظلمة؟
كلﱡ شيء كان ممكنا في ذاك الصباح الذﱢي يثقبه صوت المطر...
الصباحات هنا ندية -غالبا- مالحة بطعم البحر،باردة بيد أنها تحفزني على ترك فراشي ونفض خمولي ،تراود كغانية ،ترمي عني الأغطية الصوفية،تفتح الشبابيك تغريني بوقع المطر وتعدني ببحر مهتاج كما أشتهي فلا ألبث طويلا لأخمد صوت تعقل خافت تحت المخدة ،ائده وأقفز كهرﱠة بين غرفتي والحمام  أعدﱡ نفسي  لجولة طويلة جدا على الشاطئ   وتحت  المطر...
أعدو الخطوات القليلة التي تفصلني عن البحر فتستقبلني سيول باردة بيد أنها لا تبللني       ويتكفل معطفي البلاستيكي بإبقائي جافة و دافئة إلى حين...
صباح  الزرقة  الغامضة
صباح المطر والوجد،
صباح الحب و السحب  و البرد،
صباح الحنين و الصدفة يا بحري...
أنت خرافي هذا الصباح ،وحيد مثلي،ناء مثلي،يغلفك  ضباب الوحشة والهجر ، يبعدك عني فاقترب منك ،أسير إليك عجلى فتزيد أمواجك هياجا ،أتباطؤ ضاحكة بكلﱢ غنجي ،أدنو رافعة كفيﱠ إلى السماء و أستقبل فيهما زخّات المطر ثم أتراجع إلى الوراء أراقبها  تغتالك،  تثقب سطحك الممتد كرصاص مختل طائش فأرتجف وجلا ثم أقهقه ضاحكة ،ها أنت أمامي لن تختفي ،سرمدي ،قابع هنا للأبد تمحو زرقتك قتامة أيامي و تعقم مياهك جروح كبريائي ، أفتح ثغري ألتقط قطرات المطر،أرتشف نخب وحدتنا و أغني لك أنشودة المطر:
كأنﱠ أقواس السحاب تشرب الغيوم
و قطرة فقطرة تذوب في المطر...
مطر...
مطر...
مطر...
أكاد أسمع النخيل يشرب المطر
وأسمع القرى تئن ،والمهاجرين
يصارعون بالمجاديف و القلوع
عواصف الخليج، والرعود، منشدين
مطر...
مطر...
مطر...
أسمع فجأة من يشاركني أنشودتي فالتفت فزعة كلبوة جريحة ،من يشاركني بحري؟
 من اغتال طقسي؟ تتجمع دموع حارقة في مآقيي، من ممزق سربال خلوتي؟
من الدﱠخيل؟
أرددها هامسة ثم اصرخها بكلﱢ جنوني، وأراك يا شبح الصباحات الندية تقترب ، تحوم حولي ثم كنورس هرم تجذبني من ذراعي لنرقص رقصة البحر والمطر ...
و حينما انتهت رقصتنا كان المطر قد توقف من ساعات عن الهطول وبدأت الشمس تحاول اختراق الشرنقة الرمادية التي غزلتها الغيوم حولها.
انفكت الرقية وانتفى سحر المكان، التفت باحثة عنك فما وجدتك، ناديتك فما حصدت شيئا غير الصدى...
استدرت قافلة أخيرا،متوحدة  باللجة،نازفة زرقة،بردانة، مبللة أحمل شذرات  من ملح عطرك على ذراعي و همساتك لازالت  ترﱢن  في أذنيﱠ.
زحفت إلى البيت زحفا،رميت عني ملابسي المبللة واختبأت من شكوكي تحت الأغطية، منهكة إلى حدﱢ الموت كنت...
يصعب عليﱠ التصديق أنﱠ هذه الحياة بهاته القسوة...جمعتني بك وانتشلتك مني في غمضة عين ،تركتني للوحدة أتخبط للنجاة ...
هل هي هلوساتي تعود إليﱠ، أم هو تأثير هذا الشاطئ؟هذا  الشاطئ هل تذكره؟ أتذكر كم شهد ضحكاتنا، عناقنا، رقصاتنا، أحاديثنا،خصاماتنا،أحلامنا الأشد جنوحا...
هل تذكر؟
ما جدوى مستقبل لا يحمل اسمك في طياته؟
آه !كلﱡ تلك الصباحات التي مرت دون أن نراقب سوﱠية شروق شمس نهار جديد و كلﱡ تلك الأماسي التي جلست فيها وحيدة انتظر عودتك... كم بكيت فقدانك ،كم لوﱠعني غيابك...
اليوم عرفت أنك مزروع فيﱠ وأن من المستحيل اجتثاثك مني وأنك ستظل دوما وجعي الأكبر.                                                                                         بعض الأفكار ترفض الانصياع لإرادتنا  والركود في عتمة أذهاننا ، تروم  التعكير و خلق مساحات إضافية للقتامة ،ترفض الانصياع وتغلق كلﱠ المسامات أمام مرور قطرة فرح واحدة.هكذا تكون بعض الأوجاع، لا تحتمل البقاء طي الكتمان، تراوغ للانفلات، تتلوى، تنزلق وفجأة تنفك عن العقال...وأنت يا وجعي الأكبر المغموس بنار ولهب، المقرون بكلﱢ معنى للفشل وأثر للخيبة مضيت ذات فجر دون كلمة وداع.
 في غمرة فجر مطهّم بشهوة الورود الحمراء لقطرات الندى و بين حلكة منسحبة و انبثاق صبح جديد،في ذاك الحدﱢ الفاصل بين ليل محتضر وبشائر نهار مئات الحكايا التي تقارب الأسطورة تنثال من شفتيك و آلاف النجوم تغمز في خفر مودعة لقائنا الأخير.
كلﱡ شيء كان يوحي بالفراق،حكاياتك عن البحارة الذﱢين غادروا إلى موانئ بعيدة جدا       و ماعادوا ،عناقك الرائع و الاستثنائي ،ألق عينيك وحتى وشاحك الصوفي الذﱢي لففته حول عنقي كان ينادي بالفراق... كنت تودعني في ذاك الفجر المطعم بشهوة  الفهد الجارحة لجسد غزال شريد.
لو عرفت، آه !لو عرفت أنك تودعني ما كنت تركتك تذهب، كنت ذوبتك في دمي ملحا لا تستغني عنه ذرة من ذرات جسمي أو كنت أودعتك في قلبي نبضا أبديا... لكنه قدري المحتوم بالفقد.
دعني أخرجك من ذاكرتي ،لعلّ معجزة ما تتحقق وتجسّدك أمامي،نجلس متقاربين دون أن نتلامس تحت أشجار النخيل في شاطئنا نتأمل البحر يغير زرقته  وأنت تخبرني ككل مرة قصة عروس البحر التي نذرت حياتها لإنسي و أخبرك أني عروس بحرك فترمقني بتلك النظرة الباسمة ،الصامتة كنظرة أب صبور وأغضب منك لأنك تعاملني كطفلة وأعدو للبحر فتصرخ في: "عودي يا مجنونة البحر بارد"   لكني أرتمي بين الأمواج فتلحقني لنعود إلى الشاطئ محمري الأنوف،نرتعش بردا فالتصق بك أستمع لدقات قلبك تحت خدﱢي وتقول لي هامسا:"أنت بعلو قلبي"  ويسكرني تعبيرك، من أين  تأتي بالكلمات ؟كيف تتحول الحروف بين شفتيك من مجرد أصوات إلى الحان وصور؟    
ذات صدفة التقيتك، كانت الروح تتسرب مني كذرّات رمل ،كنت ألاعب الموت ،أواجهه بمحض إرادتي ،اختبره لآخر مدى وجئت أنت دون مقدمات لإنقاذي ـ على حد تعبيرك ـ و زجي في محنة اشد...
لا يا شبح الصباحات الندية لم تكن محاولة انتحار فاشلة...سمها ما شئت ،ربما بعث جديد أو فرصة لخوض الحياة بنفس مختلف.
 فانا لم أكن أحاول الغرق في ذاك الفجر، ،ولم اقصد ذاك  الشاطئ النائي عن قصد ولم تكن أمواج البحر الباردة اعتى من أن أتغلب عليها ،ولم أكن أتخبط للنجاة ككلﱢ الغارقين، كنت كما أخبرتك مرارا ألاعب الموت،أواجهه بمحض إرادتي،أردت إخراج لساني له في هزء ، أنا لا أخافه ،بل أحب مراوغته ...
ذات صدفة "أنقذتني" من الغرق، جاهدت لإخراجي من اللجة الهائجة في ابرد ليالي ديسمبر، تجمدت أطرافك وكدت تقضى وكأن روحي تستحق كل ذاك العناء...و في لحظة جنون سحبتك معي للأغوار، أقحمتك معي في لعبتي الخطيرة، وتخبطت أنت لنطفو، قاومت الأمواج الباردة وغدر غريقتك المجهولة...كأن الحياة تستوجب كلﱠ تلك الاستماتة.
ذاك الفجر كنت أنا من ينقذك لا أنت من ينقذني...ففي قمة معاناتك لإخراجنا من المياه المتجمدة كنت احسم أمري بالتوقف عن مقاومة إنقاذك لي  ومساعدتك على نجاتي...
لو لم أصحو ذاك الفجر في بيتك أو مخبأك السري، لو لم تنظر تلك النظرة المشبعة لوما و تفهما، المملوءة سخطا و عطفا لو لم أر  ذاك البريق الطفولي ،الشيطاني في عينيك الأروع على الإطلاق ما كنت لأغرق وأضيّع مرفئي  .       
   ما معنى أن تصبح أيامي بغيابك ساعات تيه لا تمت لعمري بصلة و تتحول دقائق حياتي بعيدا عنك إلى وقت ضائع وتفقد كلﱡ جزئيات أيامي بريقها: كتبي المفضلة تصبح مجرد ملء للرفوف و كل الألحان التي أهوى تتحول إلى نشاز في غياب صدى صوتك ، أشجار السرو قبالة شرفتي تفقد خضرتها ...
حياتي دونك حيرة متواصلة و أسئلة لجوجة تنقر في دماغي بلا هوادة وبكلﱢ اللغات أين المحبب للقلب ، توأم الروح؟؟؟
 بعدك احترفت الجنون، البكاء في الزوايا، مراقبة البحر لساعات، مواجهة الوحدة برأسها اللعين الذﱢي تدحمه في كلﱢ ثواني عمري الضائع ،احترفت جلد ذاتي لتركك تذهب مني،تعذيب الذاكرة باستحضار كل ﱢالتفاصيل الصغيرة التي تخصك،حفظت شوارع المدينة، أنهجها وحتى أزقتها الخلفية،فالبقاء في بيت ضمك يوما بين جنباته وخبر طعم وجودك عدم /خواء / فراغ .
غيابك جرحني و أدماني، أرجعني إلى ضياعي وغرقي، تركني خاوية، جوفاء، فارغة ... فأي جدوى لحياة دونك ؟
عازفة أنا عن الحياة، فقدت أيامي المغزى من عيشها ورجعت إلى عهد ملاعبة الموت بسخرية...  أعيش بعدك في الزمن الضائع .                                                    

هناك 4 تعليقات:

  1. ممتااااز أحسنت مريم واصلي ، فلديك موهبة من الظلم تجاهلها

    ردحذف
  2. شكرا لك فيلوزوف .. كلماتك تحفزني للكتابة بحماس أكبر

    ردحذف

المتابعون